الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

صــــور من حـياة العلماء الـذين أنكــروا الــخـروج على أمــيرهــم الظــالـم


 / صــــور من حـياة العلماء الـذين أنكــروا الــخـروج على أمــيرهــم الظــالـم /

قال تعالى:}  وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ { ]سورة السجدة ايه 24[.
لقد حُفرت العقيدة في صدور علماء السلف الصالح ولما علموها عملوا بها ، وطبقوا هذا السلوك القويم واقعياً، فحصدوا ثمارها في الدنيا والآخرة، وأصبحوا على مر التاريخ أئمة يدعون إلى الخير، وعلى نهجهم يسير السائرون حتى قيام الساعة، وهنا نذكر نماذج من معاملة علماء السلف لأئمة الجور.

الصحابي أنس بن مالك ط
    كان الصحابي أنس بن مالك يُصَبِرُ الناس على أذى الحجاج، فعن الزُّبَيْر بْن عَدِيّ قال: } أَتَيْنَا أَنَس بْن مَالِك t فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَىَ مِنْ الْحَجَّاج (أي الحجاج بن يوسف الثقفي) فَقَالَ اِصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَان إِلا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ َشَرّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبّكُمْ سَمِعْته مِنْ نَبِيّكُمْ { (رواه البخاري  - 7068)
وكان أنس بن مالك ط يُجيب ُ على أسئلة الحجاج ولا يكتمُ شيئاً من العلم، على ما في الرجل من شدةٍ وظلمٍ وتعلقه بأدنى شبهةٍ في العقوبةِ، ويدل لذلك ما جاء في الحديث: عَنْ أنَسٍ بن مالكٍ ط: } أنَّ نَاساً بِهمْ سقمٌ قالوا: يا رَسُول الله آونا وأطعمنا فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخِمَة فأَنْزَلَهُمْ الحَرَّة في ذود له فقال اشربوا ألبانهَا فَلمَّا صَحَّوا قَتَلُوا رَاعيَ النبي r واسْتَاقُوا ذَوْدَهُ فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمْ  فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ فرأيت الرَجُل مِنْهُم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت. قال سلام: فبلغني أن الحجاج قال لأنس حَدِثني بأشد عقوبة عاقبه النبي r فحدثه بهذا فبلغ الحسن فقال وددت أنه لم يحدثه بهذا { (رواه البخاري). --------------------------------------------------------
    وقال الحافظ بن حجر: وساق الإسماعيلي من وجه آخر عن ثابت  حدثني أنس قال: ما ندمت على شيء ما ندمت على حديث حدثت به الحجاج " فذكره، وإنما ندم أنس على ذلك لأن الحجاج كان مسرفا في العقوبة، وكان يتعلق بأدنى شبهة
. ] "الفتح" (10/149)[.
التابعي الحسن البصري- رحمه الله-------------------------------------------------
    عن سليمان بن علي الربعي، قال:)  لما كانت الفتنة فتنة ابن الأشعث، إذ قاتل الحجاج بن يوسف، انطلق عقبة بن عبد الغافر وأبو الجوزاء وعبد الله بن غالب في نفر من نظرائهم، فدخلوا على الحسن فقالوا: يا أبا سعيد ما تقول في قتال هذا الطاغية الذي سفك الدم الحرام، وأخذ المال الحرام، وترك الصلاة، وفعل، وفعل..؟ قال: وذكروا من فعل الحجاج...قال: فقال الحسن: ( أرى أن لا تقاتلوه، فإنها إن تكن عقوبة من الله فما أنتم برادي عقوبة الله بأسيافكم، وإن يكن بلاء؛ فاصبروا حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين ) لقد كان الحسن- رحمه الله- يرى أن الله ما سلط الحجاج إلا عقوبة، ففي رواية: «يا أيها الناس - إنه والله- ما سلط الله الحجاج عليكم إلا عقوبة، فلا تعارضوا الله بالسيف،ولكن عليكم بالسكينة والتضرع.. قال: فخرجوا من عنده، وهم يقولون: نطيع هذا العِلْجَ؟! قال: وهم قوم عرب! قال:خرجوا مع ابن الأشعث، قال: فقتلوا جميعاً( أخرجه ابن سعد في «الطبقات الكبرى 164-163/7، والدولابي في «الكنى » ( 121/2) بسند صحيح. [ 
الإمام الجليل أحمد بن حنبل:
       لما أتى إليه فقهاء وعلماء بغداد يؤامرونه على الخروج على الواثق الذي كان يقول بقول الجهمية ( الجهم بن صفوان) بأن القرآن مخلوق، وكان يأتي بأعمالٍ كفرية، ويقتل العلماء بيده الذين يقولون القرآن كلام الله وأن رؤية الله في الآخرة ثابتة وغيره، ورغم أن الإمام واجه فتنة خلق القرآن فعُذّب وجُلِدَ وأوذي ولكنه لم يقل إن لي ثأرٌ عِند الدولة، حَبستني.. وعذبتني ولم ينتصر لنفسه لأنه كان سويّ النفس.
    ولقد سأل أبو الحارث الصائغ: الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله عن أمر حـدث في بغـداد، وهمّ قوم بالخروج ! 
فقال له:
} ما تقول في الخروج مع هؤلاء القوم؟ فأنكر ذلك عليهم، وجعل يقول: سبحان الله! الدماء..الدماء.. لا أرى ذلك، ولا آمر به، الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة؛ يسفك فيها الدماء، ويستباح فيها الأموال، وينتهك فيها المحارم، أما علمت ما كان للناس فيهيعني: أيام الفتنة-  ؟.. قلت والناس اليوم..أليس هم في فتنة يا أبا عبد الله؟ !.. قال: وإن كان؛ فإنما هي فتنة خاصة، فإذا وقع السيف عمت الفتنة، وانقطعت السبل، الصبر على هذا ويسلم لك دينك: خير لك {
( المنهج الأحمد- للعليمي - 1/363 )

الإمام البـويــطي، و الإمام محمد بن نوح النيسابوري، و الإمام نـُعَيّم بن حــمَّاد الــخـــُزاعي --------------
    الإمام البويطي أحد الأعلام من أئمة الإسلام، ومن أبرز علماء الشافعية، وكان من كبار أصحاب الإمام الشافعي، وقد حاول الخـليفة المأمون أن يُجبر الناس على الإيمان بأن القرآن مخلوق، وسار على طريقته المعتصم والواثق، وبينما ثبت بعض العلماء وصمدوا في مواجهة رياح عاصفة، ولم يتزحزحوا رغم قسوة التنكيل متحملين لمرارات الألم راضين بها في سبيل الله، لم يتحمل الأكثرون وخضعوا خوفًا وتقية.. -------------------------------------------
    يقول الإمام ابن كثير: وكان الذين ثبتوا على الفتنة فلم يجيبوا بالكلية أربعة: أحمد بن حنبل، وهو رئيسهم، ومحمد بن نوح بن ميمون الجند النيسابوري، ومات في الطريق، ونعيم بن حماد الخزاعي، وقد مات في السجن، وأبو يعقوب البويطي، وقد مات في سجن الواثق على القول بخلق القرآن، وكان مثقلا بالحديد (البداية والنهاية:  ج10/369)
الإمام أحمد بن نصر الخزاعي ----------------------------------------------------
    أحمد بن نصر الخزاعي الذي أبى القول بخلق القرآن وقدم نفسه فداء للقرآن، كان من أهل العلم والدين والفضل مشهورا بالخير أمارا بالمعروف قواما بالحق، ذكره الإمام أحمد بن حنبل يوما فقال: رحمه الله ما كان أسخاه بنفسه لله لقد جاد بنفسه له، أُتيَّ بالإمام أحمد بن نصر في مجلس الواثق وكان أحمد بن نصر قد استقتل وباع نفسه، وحضر وقد تحنط وتنور وشد على عورته ما يسترها، فجلس الواثق و قال لأحمد بن نصر: دع ما أخذت له، ما تقول فى القرآن؟ قال: كلام الله. قال: أفمخلوق هو؟. قال: كلام الله .فقال له: فما تقول في ربك؟، أتراه يوم القيامة؟. فقال: يا أمير المؤمنين قد جاء القرآن والأخبار بذلك، قال الله تعالى ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ( وقال رسول الله r : ) إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لا تَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ ( فنحن على الخبر.
    قال الواثق: ويحك ! أيرى كما يرى المحدود المتجسم؟ ويحويه مكان ويحصره الناظر؟ أنا أكفر برب هذه صفته.
ثم قال أحمد بن نصر للواثق: وحدثني سفيان بحديث يرفعه (إن قلب ابن آدم بأصبعين من أصابع لله يقلبه كيف شاء) وكان النبي r يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، فقال له إسحاق بن إبراهيم: ويحك، انظر ما تقول، فقال: أنت أمرتني بذلك. فأشفق إسحاق من ذلك وقال: أنا أمرتك ؟ قال: نعم، أنت أمرتني أن أنصح له. فقال الواثق لمن حوله: ما تقولون في هذا الرجل ؟ فأكثروا القول فيه. فقال عبد الرحمن بن إسحاق - وكان قاضيا على الجانب الغربي فعزل وكان موادا لأحمد بن نصر قبل ذلك - يا أمير المؤمنين هو حلال الدم، وقال أبو عبد الله الارمني صاحب أحمد بن أبي دؤاد: اسقني دمه يا أمير المؤمنين. فقال الواثق: لا بد أن يأتي ما تريد، وقال ابن أبي دؤاد: هو كافر يستتاب لعل به عاهة أو نقص عقل.
    فقال الواثق: إذا رأيتموني قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي. ثم نهض إليه بالصمصامة - وقد كانت سيفا لعمرو بن معد يكرب الزبيدي أهديت لموسى الهادي في أيام خلافته وكانت صفيحة مسحورة في أسفلها مسمورة بمسامير - فلما انتهى إليه ضربه بها على عاتقه وهو مربوط بحبل قد أوقف على نطع، ثم ضربه أخرى على رأسه ثم طعنه بالصمصامة في بطنه فسقط صريعا رحمه الله على النطع ميتا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. رحمه الله وعفا عنه. ]البداية والنهاية (10/234)[
الإمام مالك- رحمه الله- ---------------------------------------------------     كان الإمام مالك لم يؤيد خروج محمد النفس الزكية في المدينة المنورة على أبى جعفر المنصور سنة مائة وخمس وأربعين، ولزم بيته ولم يؤيد الخارجين ولم يدعمهم برأيه، كذلك لم يؤيد خروج إبراهيم أخي محمد النفس الزكية في البصرة في نفس السنة، وكان مستند الإمام مالك في عدم الخروج على الحاكم المتغلب بالقوة هو رجحان المفسدة في الخروج، وأنّ الثورة والخروج على الحكام - وإن ظلموا وأجبروا الناس على البيعة وأكرهوهم على الطاعة – يفرق شمل الأمة وينشر الفوضى.
    ولقد حدث بالفعل ما حذر منه الإمام مالك؛ فبعد خروج محمد النفس الزكية حاصر عيسى بن موسى – وهو قائد جيش أبى جعفر المنصور – المدينة، واستبيحت مدينة رسول الله r وقتل العباسيون أبناء المهاجرين والأنصـار، واضطهد آل على بن أبى طالب ط وقيدوا وجلبوا إلى العراق، وقضى على الخارجين والثائرين، وقتل محمد النفس الزكية وأخوه إبراهيم رحمهما الله تعالى.
الامام ابن تيمية رحمه الله ورحلته بين الظلم والصبر -----------------------------------
    كان لابن تيمية قصة ظلم مع بيبرس الجاشنكير- حاكم مصر آنذاك- حينما كان ابن تيمية مضطهدا في العصر الذي عاش فيه رحمه الله، من الحاكم  وعلماء الصوفية الذين كفروه، وأهدروا دمه ظلماً وبهتانا، وكانوا يُكنِّون له العداء وتسببوا في سجنه وتعذيبه، وكان الجاشنكير التلميذ المطيع لشيخه الصوفي نصر المنبجي، فظلمه وسجنه بسبب شيخه الذي كان من غلاة الصوفية، إلا أن ابن تيمية لم تهن عزيمته، بل واصل في الحبس دروسه، وأخذ الناس يقصدونه ويزورونه للتفقه في أمور دينهم والاستفتاء، وهكذا أكَبَّ الناس عليه من كل حدب وصوب، فساء ذلك غلاة الصوفية وغيرهم، فأخرجه الجاشنكير من القاهرة إلى الإسكندرية في المنفي سنة 709هـ، ومنعوا أن يجتمع عنده أحد. فناصر الجاشنكير علماء الصوفية، وظلم ابن تيمية، ورغم كل هذا صبر ابن تيمية على ظلم الجاشنكير ولم يخرج عليه ولم يأمر أتباعه وتلامذته بالخروج عليه ولم يقل لي ثأر عند الجاشنكير (حبسني، وظلمني، ونصر أهل الباطل عليَّ ) بل صبر حتى جاء الله بالناصر، فأتى بمحمد بن قلاوون فأخرج ابن تيمية من السجن ونصره بعد هروب الجاشنكير .
    قال الشيخ ربيع بن هادي - حفظه الله -: كان ابن تيمية وابن القيم يعيشون في دولة المماليك وهي دولة منحرفة في عقائدها وعبادتها ولم يسلوا عليها سيفاً، بل جاهدوا معهم التتار. ] المجموع 14/185[.

^^^^^.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More