الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013

شروط الخروج على الحاكم الكافر



    منهجنا في التّعامل مع الحاكم المسلم السَّمعُ والطّاعة؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59[. ويقول r: ) مَن أطاع الأميرَ؛ فقد أطاعني، ومَن عصى الأمير؛ فقد عصاني ( [رواه البخاري في "صحيحه" (4/7-8)[. فوليُّ أمر المسلمين يجب طاعته في طاعة الله، فإن أمر بمعصيةٍ؛ فلا يطاع في هذا الأمر (يعني: في أمر المعصية)، لكنّه يُطاع في غير ذلك من أمور الطّاعة. (فتاوى الشيخ الفوزان - رقم الفتوى: 15872)[.

وأمّا التعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال ولجواز الخروج على الحاكم خمسة شروط: 

    الشـــــــــــــرط الأول: وقوعه في الكفر البواح الذي عندنا من الله فيه برهان .
    الشرط الـــــــثـــاني: إقامة الحجة عليه .
    الشرط الثــــالث: القدرة على إزالته .
    الشـــــــرط الــــــرابع: القدرة على تنصيب مسلم مكانه .
    الشـــــــرط الخامس: ألاّ يترتب على هذا الخروج مفسدة على المسلمين أعظم من مفسدة بقائه .

    ومن تأمل في هذه الشروط علم أنه يصعب تحققها ويتعذر في غالب الأحوال على مر العصور. وعلم أنه يترتب على الخروج على الإمام دائما الشر والفتنه واستباحة الدماء وانعدام الأمن كما هو معلوم ومشاهد في الماضي والحاضر وكثير من الحركات باءت بالفشل وألحقت بالمسلمين الويلات والشرور. وما من قوم خرجوا على إمامهم إلا وكانت حالهم بعد خروجهم أسوأ وأعظم فتنة وفسادا من حالهم قبل ذلك.قال ابن تيمية مقررا هذا المعنى: (وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال لما فيه من ظلم وجور كما هو عادة أكثر النفوس تزيل الشر بما هو شر منه وتزيل العدوان بما هو أعدى منه فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصبر عليه كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور والمنهي).
  -
    قال ابن تيمية -رحمه الله- ) فمن كان من المؤمنين بأرض هو فيها مستضعف, أو في وقت هو فيه مستضعف؛ فليعمل بآية الصبر والصفح عمن يؤذي الله ورسوله من الذين أوتوا الكتاب والمشـركين. وأما أهل القوة فإنما يعملون بآية قتال أئمة الكـفر الذين يطعنون في الدين، وبآية قتال الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون(  ](الصارم المسلول 2/413)[. وقال أيضاً: ) لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان ؛ إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته ( . ]مجموع الفتاوى ( ٤ / ٥٢٧ - ٥٣١ )[ .

    قال العلامة ابن باز-رحمه الله-: ) والقاعدة الشرعية المجمع عليها "أنه لا يجوز إزالة الشر بما هو شر منه بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه"، وأما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين فإذا كانت هذه الطائفة التي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفرا بواحا وعندها قدرة تزيله بها وتضع إماما صالحا طيبا من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان فلا بأس، أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس، واغتيال من لا يستحق الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم، فهذا لا يجوز بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر و تقليله وتكثير الخير، هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك، لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة، ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير، ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين ومن شر أكثر، نسأل الله للجميع التوفيق والهداية (. ]المعلوم من واجب العلاقة بين الحاكم والمحكوم[.

    قال أيضاً العلامة ابن باز-رحمه الله-: لا إذا رأى المسلمون كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان فلا بأس أن يخرجوا على هذا السلطان لإزالته إذا كان عندهم قدرة, أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا. أو كان الخروج يسبب شراً أكثر: فليس لهم الخروج؛ رعاية للمصالح العامة. والقاعدة الشرعية المجْمَع عليها أنه ( لا يجوز إزالة الشر بما هو أشر منه )؛ بل يجب درء الشر بما يزيله أو يخففه. أما درء الشر بشر أكثر فلا يجوز بإجماع المسلمين.

    فإذا كانت هذه الطائفةالتي تريد إزالة هذا السلطان الذي فعل كفراً بواحاً – عندها قدرة تزيله بها وتضع إماماً صالحاً طيباً من دون أن يترتب على هذا فساد كبير على المسلمين وشر أعظم من شر هذا السلطان : فلا بأس , أما إذا كان الخروج يترتب عليه فساد كبير واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحقّ الاغتيال إلى غير هذا من الفساد العظيم فهذا لا يجوز. ]الفتاوى. (8/203)[. ------------------------------------------------
-
    قال ابن عثيمين -رحمه الله-: عن الخروج على الحاكم الكافر: ) إن كنا قادرين على إزالته فحينئذ نخرج, وإذا كنا غير قادرين فلا نخرج؛ لأن جميع الواجبات الشرعية مشروطة بالقدرة والاستطاعة. ثم إذا خرجنا فقد يترتب على خروجنا مفسدة أكبر وأعظم مما لو بقي هذا الرجل على ما هو عليه. لأننا [ لو ] خرجنا ثم ظهرت العزة له، صرنا أذلة أكثر وتمادى في طغيانه وكفره أكثر(  ]الباب المفتوح 3/126 ، لقاء 51 ، سؤال 1222[. ---------------------------
    وعليه:
فما قرره أهل العلم مِن الكفر الأكبر، ووقع فيه، الحاكم؛ فإنه لا يلزم منه جواز الخروج عليه ولو أقيمت عليه الحجة، بل لا بد من النظر في الشروط الأخرى المبيحة للخروج. ]رسالة الحكم بغير ما أنزل الله مناقشة تأصيلية علمية هادئة للشيخ بندر العتيبي[.
    وعلى هذا كان تصرف أئمة السنة: عَن أَبَا الْحَارِثِ قَالَ: ) سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمْرٍ كَانَ حَدَثَ بِبَغْدَادَ، وَهَمَّ قَوْمٌ بِالْخُرُوجِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا تَقُولُ فِي الْخُرُوجِ مَعَ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، الدِّمَاءَ، الدِّمَاءَ، لا أَرَى ذَلِكَ، وَلا آمُرُ بِهِ، الصَّبْرُ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الْفِتْنَةِ يُسْفَكُ فِيهَا الدِّمَاءُ، وَيُسْتَبَاحُ فِيهَا الْأَمْوَالُ، وَيُنْتَهَكُ فِيهَا الْمَحَارِمُ، أَمَا عَلِمْتَ مَا كَانَ النَّاسُ فِيهِ، يَعْنِي أَيَّامَ الْفِتْنَةِ، قُلْتُ: وَالنَّاسُ الْيَوْمَ، أَلَيْسَ هُمْ فِي فِتْنَةٍ  يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ، فَإِنَّمَا هِيَ فِتْنَةٌ خَاصَّةٌ، فَإِذَا وَقَعَ السَّيْفُ عَمَّتِ الْفِتْنَةُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، الصَّبْرَ عَلَى هَذَا، وَيَسْلَمُ لَكَ دِينُكَ خَيْرٌ لَكَ، وَرَأَيْتُهُ يُنْكِرُ الْخُرُوجَ عَلَى الأَئِمَّةِ، وَقَالَ: الدِّمَاءَ، لا أَرَى ذَلِكَ، وَلا آمُرُ بِهِ  ( ]السنة للخلال (ص132)[.
سُئِلَ الشيخ صالح الفوزان عن التعامل مع الحاكم الكافر السؤال التالي: ------------------------
السؤال: ما هو منهجنا في التّعامل مع الحاكم غير المسلم؟ ------------------------------------

الجواب: التّعامل مع الحاكم الكافر؛ فهذا يختلف باختلاف الأحوال: فإن كان في المسلمين قوَّةٌ، وفيهم استطاعة لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكم مسلم؛ فإنه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله. أمّا إذا كانوا لا يستطيعون إزالته؛ فلا يجوز لهم أن يَتَحَرَّشوا بالظَّلمة الكفرة؛ لأنَّ هذا يعود على المسلمين بالضَّرر والإبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاثة عشرة سنة بعد البعثة، والولاية للكفَّار، ومع من أسلم من أصحابه، ولم يُنازلوا الكفَّار، بل كانوا منهيِّين عن قتال الكفَّار في هذه الحقبة، ولم يُؤمَر بالقتال إلا بعدما هاجر r وصار له دولةٌ وجماعةٌ يستطيع بهم أن يُقاتل الكفَّار.-
    هذا هو منهج الإسلام: إذا كان المسلمون تحت ولايةٍ كافرةٍ ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنّهم يتمسَّكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ويدعون إلى الله، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفّار؛لأنّ ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدّعوة، أمّا إذا كان لهم قوّةٌ يستطيعون بها الجهاد؛ فإنّهم يجاهدون في سبيل الله على الضّوابط المعروفة.
السؤال: هل المقصود بالقوّة هنا القوّة اليقينيّة أم الظّنّيّةُ؟ -----------------------------------
    الجواب: الحمد لله: القوّة معروفة؛ فإذا تحقّقت فعلاً، وصار المسلمون يستطيعون القيام بالجهاد في سبيل الله، عند ذلك يُشرعُ جهاد الكفّار، أما إذا كانت القوّة مظنونةً أو غير متيقّنةٍ؛ فإنه لا تجوز المخاطرة بالمسلمين والزَّجُّ بهم في مخاطرات قد تؤدّي بهم إلى النّهاية، وسيرةُ النبيّ r في مكّة والمدينة خير شاهد على هذا.. ](رقم الفتوى: 15872)[.

^^^^^





0 التعليقات:

إرسال تعليق

شارك

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More